حكم وشروط مشاركة المرأة أو الفتاة في المظاهرات والاعتصامات
حكم وشروط مشاركة المرأة أو الفتاة في المظاهرات والاعتصامات
حكم مشاركة المرأة في الاعتصامات والمظاهرات
نادر سعد اليافعي الحمد لله رب العالمين* وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم وبعد:
فإن الحياة الإنسانية تقوم باجتماع الرجل والمرأة* فهما جناحاها* ولكل منهما دوره الفطري والاجتماعي* وبهما تكتمل المصلحة البشرية وتقوم الشريعة وتتحقق سعادة البشرية* ولا يقر شرع ولا عقل تعطيل أحد الجنسين تعطيلاً مطلقاً* ولكن دور التشريع هو تحديد الدور الذي يقوم به كل منهما تبعاً لاستعداداته الجسدية والنفسية..
وفي ظل الأحداث المتسارعة التي تعصف بالدول العربية هذه الأيام* والثورة التي اشتعلت في بلادنا بعد أن أطاحت بأنظمة ظالمة مستبدة في عدة بلدان إسلامية* يأتي السؤال عن دور المرأة في هذه الثورات ومشاركتها لأخيها الرجل في صناعة التغيير.
وسأتناول هنا حكم مشاركة المرأة في ثورات التغيير السلمية في مبحث مختصر يتضمن مطلبين:
الأول: حكم مشاركة المرأة في الحياة العامة.
الثاني: حكم مشاركة المرأة في الاعتصامات والمظاهرات.
المطلب الأول: حكم مشاركة المرأة في الحياة العامة.
تدل النصوص الثابتة على مشروعية مشاركة المرأة في الحياة العامة فيما يتناسب مع فطرتها وطاقتها* لأن هناك مجالات لا تصلح إلا للرجال كإمامة الصلاة والانتساب إلى الجيوش العسكرية النظامية* وتولي الولاية العامة والقيام بالأعمال الشاقة ونحوها.. فالمرأة ضعيفة البنية رقيقة المشاعر سريعة الانفعال* ولا يؤهلها هذا للقيام بمثل هذه المهام الجسيمة* قال ـ تعالى ـ: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } (الزخرف:18) * ولكن تبقى مجالات عديدة لا تمنع منها المرأة ولا يضيق عليها فيها ما دامت ملتزمة بالضوابط الشرعية, فمن ذلك:
1) القتال عند الضرورة دفاعاً عن دينها أو دفعاً لصائل على نفس أو عرض أو مال* لأن الإنسان مأمور بالدفع بحسب الاستطاعة* وينبغي على الولي أو الزوج أو المربي أن يبني عند المرأة أو الفتاة ثقافة قتالية تستطيع معها الدفاع عن نفسها على الأقل* ومما يدل على مشروعية هذا:
أ) عن انس (رضي الله عنه) أن أم سُليم اتخذت يوم حنين خنجرا فكان معها فراها أبو طلحة فقال يا رسول الله! هذه أم سليم (رضي الله عنها) معها خنجر! فسألها رسول الله: ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك . رواه مسلم في صحيحه برقم (1809).
ب) عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه* وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت * فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته * وجعلت تفلي رأسه * فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك * قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ( ناس من أمتي * عرضوا علي غزاة في سبيل الله* يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة * أو : مثل الملوك على الأسرة) ـ شك إسحاق ـ* قالت : فقلت : يا رسول الله * ادع الله أن يجعلني منهم * فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم * ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك* فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال : (ناس من أمتي* عرضوا علي غزاة في سبيل الله) كما قال في الأول* قالت: فقلت يا رسول الله* ادع الله أن يجعلني منهم* قال: (أنت من الأولين). فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان* فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر* فهلكت. رواه البخاري برقم (2788) وله في البخاري عدة روايات* ومسلم برقم (1912).
ت) قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير * عن أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع * حصن حسان بن ثابت؛ قالت : وكان حسان بن ثابت معنا فيه * مع النساء والصبيان . قالت صفية؛ فمر بنا رجل من يهود * فجعل يطيف بالحصن* وقد حاربت بنو قريظة* وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم * وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا * ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم * لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت .قالت : قلت: يا حسان* إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن* وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود* وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه* فانزل إليه فاقتله* قال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب* والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا: قالت: فلما قال لي ذلك* ولم أر عنده شيئا* احتجزت ثم أخذت عموداً* ثم نزلت من الحصن إليه* فضربته بالعمود حتى قتلته ... إلخ
ث) وروى أهل السير والمغازي كابن سعد في الطبقات وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال بحق الصحابية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها : ((لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وأنا أراها تقاتل دوني)). وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكنه مما تلقاه أهل السير والأخبار بالقبول.
2) الخروج إلى المعارك والغزوات لمداواة الجرحى وإسعافهم وسقي المقاتلين وخدمتهم. ومما يدل على ذلك:
أ) عن أنس قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم * وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له * وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع * كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا * وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل * فيقول : ( إنثرها لأبي طلحة ) . قال : ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم * فيقول أبو طلحة : بأبي أنت وأمي * لا تشرف * يصبك سهم من سهام القوم * نحري دون نحرك * ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم * وإنهما لمشمرتان * أرى خدم سوقهما * تنقزان القرب على متونهما * تفرغانه في أفواه القوم * ثم ترجعان فتملآنها * ثم تجيئإن فتفرغانه في أفواه القوم * ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة * إما مرتين وإما ثلاثا. رواه البخاري برقم (4064) ومسلم برقم (1811)* وقد ورد في عدة مواضع من صحيح البخاري.
ب) عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا فيسقين الماء ويداوين الجرحى. رواه مسلم برقم: (1810).
ت) عن أم عطية نسيبة الأنصارية قالت: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات * أخلفهم في رحالهم . فأصنع لهم الطعام * وأداوي الجرحى * وأقوم على المرضى . رواه مسلم برقم (1812).
ث) ومما يدل على ذلك خروج عائشة رضي الله عنها من مكة إلى العراق طلباً للقصاص من قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ* وكان خروجها مع جمع من كبار الصحابة كطلحة والزبير رضي الله عنهما* فدل ذلك على جواز خروج غيرها من باب أولى* لأن أمهات المؤمنين مأمورات في الأصل بالقرار في بيوتهن* قال ـ تعالى ـ: {وَقَرْنَ في بُيُوْتِكِنَّ}* فإن قيل: إن عائشة ندمت بعد ذلك* قلنا: إنما كان ندمها على ما حدث من الاقتتال في وقعة الجمل* وليس على مجرد خروجها أو مطالبتها بحق من الحقوق الشرعية والله أعلم.
وغيرها من النصوص الدالة على هذا.
3) حضور المؤتمرات العامة والمشاركة في صنع القرار وإبداء الرأي في القضايا العامة. ومما يدل على هذا:
أ) ما رواه ابن إسحاق في سيرته عن كعب بن مالك في قصة خروج الأنصار لبيعة العقبة الثانية وفيه "... نمنا تلك الليلة – ليلة العقبة – مع قومنا في رحالنا * حتى إذا مضى ثلث الليل * خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم * نتسلل تسلل القطا مستخفين * حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة * ونحن ثلاثة وسبعون رجلا * ومعنا امرأتان من نسائنا* نسيبة بنت كعب وأسماء بنت عمرو بن عدي ...الحديث" صححه الألباني في تعليقه على (فقه السيرة للغزالي) ص149.
ب) وأخرج سعيد بن منصور وأبو يعلى بسند جيد عن مسروق قال ركب عمر بن الخطاب المنبر ثم قال أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. ثم نزل فاعترضه امرأة من قريش فقالت له: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله يقول {وآتيتم إحداهن قنطاراً}! فقال: اللهم غفرانك! كل الناس أفقه من عمر. ثم رجع فركب المنبر فقال: يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. (الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج2/ص466).
ج) ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (7/151) أن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ لما رضي أهل الشورى الخمسة أن يختاروا واحداً منهم* ثم لما انحصر الترشيح بين عثمان وعلي ـ رضي الله عنهما ـ ((نهض عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يستشير الناس فيهما* ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس الناس وأقيادهم جميعاً وأشتاتاً* مثنى وفرادى* ومجتمعين سراً وجهراً* حتى خلص الى النساء المخدرات في حجابهن وحتى سأل الولدان في المكاتب وحتى سأل من يرد بمن الركبان والأعراب إلى المدينة في مدة ثلاثة ايام بلياليها)).
4) مشاركة المرأة في التجارة وخروجها لطلب العلم النافع* وحقها في العمل والكسب والتملك* ووجوب قيامها بواجب الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وهذه الأمور معروفة مقررة وأدلتها متظافرة كثيرة وشواهدها من السيرة النبوية ومن أخبار السلف الصالح لا تخفى.
المطلب الثاني: حكم مشاركة المرأة في الاعتصامات والمظاهرات السلمية.
بعد أن تقرر جواز المظاهرات السلمية من حيث الأصل باعتبارها ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووسيلة من وسائل المطالبة بالحقوق* والوسائل لها أحكام المقاصد* لذا يختلف حكمها من بلد إلى بلد* فقد تجب على أهل بلد وتحرم على أهل بلد آخر باعتبار المصالح والمفاسد المترتبة عليها وأهل كل بلد أدرى بواقعهم. وهذا قول عامة العلماء المعاصرين في مصر والشام والمغرب العربي والعراق واليمن وبعض علماء نجد والحجاز وبقية بلدان العالم الإسلامي* ولا يعدها كثير من هؤلاء خروجاً على الحاكم ما دامت منضبطة بالوسائل السلمية لأن الأنظمة والدساتير قد كفلتها في أكثر البلدان* وبعض هؤلاء العلماء لا يعترفون بشرعية الحكام الموجودين لاختلال أركان البيعة الشرعية* وعدم توفر شروط الحاكم الشرعي في حكام هذا العصر.
وعلى هذا فقد وجدت بعضهم يفتي بجواز خروج المرأة بالشروط الشرعية (انظر: موقع إسلام ويب فتوى رقم42968)* وهذا يقودنا إلى المسألة الثانية: هل خروج المرأة من بيتها لحضور الاعتصامات والمظاهرات من المصلحة المعتبرة شرعاً؟ ولا شك أن هذا من الأمور التي تختلف فيها وجهات النظر* فلكل مقام مقال* ولكل حادثة حديث* والأصل بناء على ما سبق من النصوص التي تدل على حق المرأة في المشاركة في الحياة العامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمطالبة بالحقوق أن المظاهرات السلمية لا تخرج عن هذا* وأن للمرأة الحق الكامل في المشاركة بما يتناسب مع قدراتها* إذا التزمت بالشروط الشرعية* ومن المصالح الشرعية المعتبرة التي تترتب على حضور المرأة المسلمة ومشاركتها من وجهة نظري:
1) تنشيط القطاع النسوي الملتزم* وعدم ترك الساحة للقطاعات النسائية ذات التوجهات الليبرالية والتغريبية.
2) تكثير سواد الثورات التي اندلعت للمطالبة بالحق* وإذكاء جذوة الحماس في قطاعات المجتمع.
3) المشاركة في إنكار أحد أعظم المنكرات في هذا العصر* وهو استبداد الأنظمة العميلة لأعداء الإسلام* والمشاركة في صنع مجتمع إسلامي عادل.
والشروط الشرعية المعتبرة هي:
1) أن تكون في مأمن على نفسها وعرضها من أهل الفساد* فإذا كان الغالب على الظن تعرض جهة ما للمظاهرة أو الاعتصام واستخدام القوة والقمع* فلا يجوز تعريض النساء للشر لأن المرأة ضعيفة في أصل خلقتها* وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان.
2) وجود الإذن من الزوج أو الولي* لأن المرأة مأمورة بطاعة زوجها أو وليها كالأب والجد في غير معصية الله* ولا يسقط الإذن إلا في فروض الأعيان فقط* وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.
3) الالتزام بالحجاب الشرعي* وهذا من بدهيات الشرع الشريف.
4) عدم المبيت في ساحات الاعتصام* لأن ذلك تترتب عليه خطورة مباغتة ساحات الاعتصام من الجهات المتربصة بالشر* ولأن المرأة مأمورة بأن لا تضع ثيابها في غير بيت زوجها* عن أم الدرداء رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه و سلم لقيها وهي مقبلة من الحمام فقال : من أين أقبلت يا أم الدرداء؟ فقالت: من الحمَّام يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيتها هتكت ما بينها وبين الله من ستر)). رواه أحمد وابن ماجه والطبراني وغيرهما* وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2710).
5) أن لا تكون معتدة من موت الزوج أو الطلاق* لأن المعتدة مأمورة بلزوم بيتها* وهذا أمر معروف من الشرع.
فإذا توفرت الشروط الشرعية فلا يوجد من الشرع ما يمنع المرأة من المشاركة الفاعلة في المظاهرات والاعتصامات.. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم
حكم وشروط مشاركة المرأة أو الفتاة في المظاهرات والاعتصامات
هذا الموضوع كتبته يوم
08/12/2012
ضمن تصنيف
الإسلام والمرأة
,
المرأة والمجتمع
فأن اصبت فمن الله وحده و ان اخطات فمن نفسي و الشيطان . يمكنك نقل اي موضوع من المدونة بشرط ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي للاتصال او الاستفسار عن اي موضوع من
هنا
.
شاركنا برأيك بوضع بصمتك معنا | التعليق مسموح للزوار