11‏/11‏/2012

حق الجماع والاستمتاع في العلاقة الزوجية


هذا الحق مشترك بين الزوجين، بمعنى أن للزوج الحق في الاستمتاع بزوجته وكذلك العكس، ذلك لأن الاستمتاع مقصد من مقاصد النكاح، ومن خصوصياته فـ"حل استمتاع الزوج بزوجته هو اختصاص له، فلا يشركه غيره فيه، فهو اختصاص حاجز، ولهذا لا يجوز للزوجة أن تتزوج بزوج آخر ما دامت الرابطة الزوجية قائمة بينهما"([1]).

وكذلك الزوجة فاستمتاعها بزوجها "هو استمتاع وحيد، لا يجوز لها فعله مع غيره عن طريق الزواج ما دامت الرابطة الزوجية قائمة([2]).

ذهب بعض الفقهاء إلى أن الجماع حق للزوج فقط، وأن الزوجة لا حق لها فيه وأنها إن لم تصل إليه فلا حق لها في طلب الانفصال.

والحقيقة أن هذا الرأي خلاف قول الجماهير من أهل العلم، الذين جعلوا للمراة الحق في ذلك، وقالوا بأحقية الزوجة في مقاضاة الزوج وطلب الانفصال إن أرادت.

بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن على الزوج أن ينام مع زوجته ليلة من أربع ليال، وقال آخرون ليلة في كل طهر، وذهب مالك ومن وافقه إلى أن الزوج المبتعد عن زوجته أربعة أشهر مولي، وإلزام الزوج في الإيلاء بالفيء أو الطلاق دليل على حق الزوجة في الجماع.

كما أن القائلين بعدم الوجوب قالوا بأنهم أوكلوه إلى الغريزة، وما كان له دافع طبعي فلا حاجة لأيجابه ديناً، والحقيقة أن إرادة الإضرار من الزوج قد تجعله يفعل ذلك، بله إذا كان مستغنياً عنها بغيرها، فكيف تدفع الزوجة الضرر عنها إن لم يكن لها الحق بالمطالبة، وتحميل الزوج وزر هجره إياها.

أضف إلى ذلك أن المرأة كالرجل لها غريزة تريد إشباعها، وهي قد جبلت على ذلك.

كما أن التعبير القرآني للمتزوجات بالمحصنات يومئ ويشير إلى دلالات المعنى اللغوي التي تفيد معنى المنع والحيلولة، وهو هنا تحصن المرأة بالزواج من دواعي الشر والرذيلة.

أضف إلى ذلك انتشار المغريات المادية والمعنوية، والمثيرات الجنسية المتنوعة، وانتشار ما يسمى بالثقافة الجنسية، التي أخذت بالانتشار، كل هذا له دور كبير في التأثير على النفوس الضعيفة، ومنها قلوب وفرة من النساء.

   كما أن الاختلاط أصبح هو السمة السائدة في معظم التجمعات المختلفة، وانكسر عند كثير من الجنسين وخاصة المرأة حاجز الحياء من الطرف الآخر، مما سهل وقوع الفاحشة، وهذا ما يشهد به الواقع الذي هو حجة دامغة في وجه من يرمون غيرهم بالنظرة الشهوانية .

ولهذا كان لزاماً على الزوج أن يشبع غريزة زوجته الجنسية في حدود المعقول، وفي هذا الصدد يقول البهوتي في كشاف القناع: "ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين، ودفع الضرر عنهما وهو-أي الوطء- مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفعه عن الرجل، فيكون الوطء حقاً لهما جميعاً"([3]).

وعلى الزوج أن  يتوخى حاجتها إلى إليه "فيعفها ويغنيها عن التطلع إلى غيره، وإن رأى الرجل من نفسه عجزاً عن إقامة حقها في مضجعها أخذ من الأدوية التى تزيد في باهه، وتقوي شهوته حتى يعفها"([4]).

ويدخل في الاستمتاع كل ما يشبع الغريزة من النظرة إلى الإنزال، فيحق للزوجين الاستمتاع بالنظر كل إلى صاحبه، ولمسه لأي جزء من أجزائه ذلك أن "الجماع فوق النظر واللمس، فكان في إحلال الجماع إحلال للنظر واللمس من باب أولى"([5]).

ومما يستدل به على ذلك من السنة أن عائشة زوج النبي r كانت تغتسل مع رسول الله r من إناء واحد([6]) .

وفي أبي داود وغيره من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال:

قلت: يارسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟

قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك"([7]).

يظهر من هذا أن للزوج النظر إلى كل بدن زوجته، وكذلك العكس، بما في ذلك النظر إلى الفرج ظاهراً وباطناً، ذلك لأنه محل تمتعه([8]).

فالقول بكراهة النظر إلى الفرج الظاهر، وشدة الكراهة في النظر إلى باطنه فيه بعد، والأبعد منه القول بالحرمة.

استدل أصحاب هذين القولين –الحرمة والكراهة- بحديث عائشة أنها قالت: "ما رأيت عورة رسول الله r قط" .

وهذا الحديث في سنده شخص يدعى ابن سابور، وهمه الخطيب في تاريخ بغداد([9]) وابن عدي في الكامل([10])، كما أن فيه بركة بن محمد أبو سعيد الحلبي شيخ ابن سابور، وقد ذكره ابن عدي في الضعفاء وقال:"هذا الحديث لم يروه موصولاً بهذا الإسناد غير بركة هذا، وقد روي مرسلاً([11]) فتبين ضعف هذا الحديث.

واستدلوا أيضاً بحديث "النظر إلى الفرج يورث الطمس" وقد "ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وخالفه ابن الصلاح فحسن إسناده، وقال: أخطأ من ذكره في الموضوعات"([12])، ولكن تساهل ابن الصلاح في التصحيح والتحسين معلوم عند أهل هذا العلم .

وممن حكم بوضعه أبو حاتم، كما روى هذا عنه ابنه في كتاب العلل. والحديث رواه ابن حبان في الضعفاء من طرق بقية عن ابن جريج، وبقية هذا مدلس سيء التدليس، ولهذا قالوا فيه: أحاديث بقية ليست نقية، فكن من أحاديثه على تقية .

قال ابن حبان وهذا يمكن أن يكون بقية سمعه من بعض شيوخه الضعفاء عن ابن جريج فدلسه، ونظراً لهذا كله كان تحسين ابن الصلاح للحديث فيه نظر كما قال الحافظ في التلخيص([13]).

وحمل الرافعي الحديث على الكراهة لا يستقيم مع ضعفه إلا على قاعدة الاحتياط التي يؤخذ فيها بالحديث الضعيف وفي هذه المسألة خلاف منتشر.

أما لمس الفرج فقال السبكي:"الخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري في مسه لانتفاء العلة... وقال سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن مس الرجل فرج زوجته، فقال: لا بأس به، وأرجوا أن يعظم أجرهما"([14]).

ويمكن تعليل عظم الأجر بأنه مدعاة للشهوة المؤدية إلى تحصين الزوجين، وتكثير النسل .

وبناءً على ما سبق فليس للزوج أو الزوجة أن يمنع الآخر من النظر إلى عورته، لأنه من جملة الاستمتاع المباح أو المندوب له، وقول الزركشي :"لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة زوجها إذا منعها منه بخلاف العكس" ([15])وعلل تفريقه هذا بأن الزوج يملك حق التمتع بها بخلاف العكس([16]) مبني على أن التمتع حق للزوج دون الزوجة، ولهذا قال الخطيب: "وهذا ظاهر"([17]) .

ولقصور نظرة هذا القول توقف فيه بعض متأخري الشافعية([18]) بل ذهب بعضهم إلى أن لها ذلك ولو منعها زوجها، وهذا ما اعتمده ابن حجر الهيتمي([19]) خلافاً للرملي والخطيب.

وقد ذكر الإمام الجويني "أن التلذذ بالدبر بلا إيلاج جائز"([20]) والتلذذ هنا يشمل النظر واللمس "لأن جملة أجزائها محل استمتاعه إلا ما حرم الله تعالى عليه من الإيلاج([21]) وقد خالف الدارمي فذهب إلى حرمة النظر إليه([22]) ولكن خلافه هذا غير معول عليه في المذهب الشافعي، وضعفه الهيتمي في التحفة([23]) .

ويدخل في حل الاستمتاع تجرد المرأة لزوجها، وكذلك العكس، لأن هذا مما يساهم في إشباع الشبق الجنسي، وإخماد نار الشهوة، وهذا من المقاصد الأساسية للنكاح، والتجرد من المكملات لهذا المقصد .

أما حديث: "إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردان تجرد العيرين"([24]) قال البيهقي في الشعب عقب روايته هذا الحديث:" تفرد به مندل بن علي"([25]) وهذا الكلام منه إعلال للحديث، فمندل هذا أورده الذهبي في الضعفاء، ونقل تضعيفه عن أحمد، والدارقطني .

وقال الهيثمي فيه ضعيف([26])، وقال البزار: أخطأ مندل في رفعه، والصواب أنه مرسل([27]) .

فتبين من هذا أن في الحديث علتين :-

الأولى: ضعف مندل .

والثانية: وهمه في رفعه، والصواب إرساله .

وممن ضعفه من المتأخرين الألباني في ضعيف ابن ماجة([28])، وضعيف الجامع([29]).

على أنه يمكن حمل الحديث على تسترهم جميعاً أثناء الجماع بغطاء واحد مع التجرد تحته، فيكون معنى الحديث: (إذا أراد أحدكم جماع حليلته فليتغط هو وإياها بثوب يسترهما) ويكون الخطاب هنا للرجل بالستر دونها؛ لأنه يعلوها، وإذا استتر الأعلى استتر الأسفل( ولا يتجردان -أي لا يتغطيان- فيصيران متجردين عما يسترهما) والأمر بالاستتار هنا على وجه الندب والاستحباب([30]) .

ومما ذكره الفقهاء في هذا المقام، ونص عليه الهيتمي في التحفة أن الزوج لو أمر زوجته أثناء الجماع أن تتحرك وجب عليها ذلك .


وللزوج أن يتمتع بعضوه بكل جزء من أجزاء زوجته إلا أن هنا محظورين:

 أحدهما زماني: وهو إتيان الحائض، والآخر مكاني: وهو الإتيان في الدبر.


المراجع


([1])  المفصل في أحكام المرأة(7/320)

([2])  المرجع السابق

([3])  كشاف القناع (3/114)

([4])  القرطبي (3/124)

([5])  المفصل (3/145)

([6])  مسلم (1/260).

([7])  أبو داود (4/40)

([8])  انظر مغني المحتاج (3/181)

([9])  تاريخ بغداد (4/115)

([10])  (2/479)

([11])  المرجع السابق.

([12])  مغني المحتاج (3/181)

([13])  انظر التلخيص (3/149)

([14])  مغني المحتاج (3/181) وانظر تحفة المحتاج (7/207).

([15])  مغني المحتاج (3/181)

([16])  المرجع السابق

([17])  الرجع السابق (3/182)

([18])  انظر مغني المحتاج (3/182)

([19])  انظر التحفة (7/206)

([20])  انظر مغني المحتاج (3/181)

([21])  نهاية المحتاج (6/200)

([22])  مغني المحتاج (3/181)

([23])  (7/207)

([24])  السنن الكبرى للبيهقي (7/193)

([25])  انظر فيض القدير (1/238)

([26])  انظر المصدر السابق .

([27])  انظر المصدر السابق .

([28])  رقم (421)

([29])  رقم (279)

([30])  انظر فيض القدير (1/238)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق