| لئن كان غيري بالمدامة مولعاً |
فقد ولعت نفسي بشاي معطرٍ |
| إذا صب في كأس الزجاج حسبته |
مذاب عقيق صب في كأس جوهرِ |
| به أحتسي شهداً وراحاً وسكراً |
وأنشق منه عبق مسك وعنبرِ |
| يغيب شعور المرء في أكؤس الطلا |
ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر |
| يُجدُّ سرور المرء من دون نشوة |
فاحبب به من منعش غير مسكر |
| خلا من صداع أو نزيف كأنه |
سلافة أهل الخلد أو ماء كوثر |
| فمنه اصطباحي واغتباقي ولذتي |
ومنه شفائي من عناء مكدر |
| كأني إذا ما أسفر الصبح ميتٌ |
وإن أرتشف كأساً من الشاي احشر |
| فلله أرض الصين إذ أنبتت لنا |
ألذ نبات بالمسرة مثمر |
| لو أن ابن هاني فاز منه بجرعة |
لراح بأقداح ابنة الكرم يزدري |
| ولو ذاقه الأعشى وحكّم في الطلا |
وفيه لقال : الفضل للمتأخر |
| فللفم أحلى مشرب من مذاقه |
وللعين من مرآه أجمل منظر |
| إذا فار ما بين السماور ماؤه |
سمعت له أنغام ناي ومزهر |
| فأشرب مرتاحاً على نغماته |
كؤوساً وما نغلي له غير سكر |
| كأن به صبّاً ينوح وقد ذكى |
لهيب الهوى منه بقلب معسر |
| فيسكت إن تخمد به نار حبه |
وإن تذك فيه لوعة الشوق يزفر |
| وإن بلغت نار الهوى فيه حدها |
بكى لوعة من دمعه المتحدر |
| كأن به بركان “فيزوف” ثاقب |
فإن ثار يقذف بالشرار ويمطر |
| كأن به نار الغرام تمثلت |
لدى العين يخشى قربها كل مبصر |
| تمد بأفلاذ الزنوج إذا خبت |
فتحكي جحيم الزنج في يوم محشر |
| فثَم تخال الفحم أفلاذ مهجة |
من الليل تلقى في نهارٍ منوّر |
| فإن ضاق صدراً عن تأجج شوقه |
تأوه في أنفاس ماء مبخّر |
| لئن يمتلك يوماً جناحاً يطر بها |
إلى حيث من يهوى وبالوصل يظفر |
| كأن كؤوس الشاي بضع نواسك |
تحيط بمعبودٍ من التبر أصفر |
| وتفتح فاها بالدعا فيجودها |
بذوب لجين أو بدرِّ مقطّر |
| وأحسبها حول السماور تارة |
بنات مجوس قد أحطن بمجمر |
| وتحكي لنا ما بين بيض صحونها |
تماثيل درّ في معابد مرمر |
| وإبريقه فوق السماور مرتقٍ |
كمثل خطيب جالس فوق منبر |
| يفوه ولكن من عقيقٍ مقطرٍ |
وينطق لكن في كلامٍ مصوّر |
| سماوره يبدو كشيخٍ معممٍ |
من الصين يزهو في رداءٍ معصفر |
| إذا ساق همّ الدهر نحويَ جيشه |
ألاقيه من أقداح شايٍ بعسكر |
| فمذ أحتسي جاماً وأرشف ثانياً |
يفرّ الأسى عني بجيشٍ مبعثر |
| فأشرب كأس النصر جذلان ناعماً |
وأزهو، وقد أدركت عزّ المظفّر |
| فلله كاساتي لنصريَ أسرعت |
ومن ينتصر في كؤوس الشاي يُنصر |
| كأن به معنى السعادة كامنٌ |
فلو يُشترى بالنفس ما ليمَ مشتري |
| لئن أنقص العمر الثمين اعتياده |
فأيّ حياة دونه لمعمّر |
| دعِ الرّاح والأفيون واشرب عصيره |
مداماً، ولا تشرب مدامة حيدر |
شاركنا برأيك بوضع بصمتك معنا | التعليق مسموح للزوار